Bqaakafra Parish

بقاعكفرا منارة على جبل

تحقيق الأب ميلاد مخلوف

مقدمة

تقع بقاعكفرا على مقربة من أعلى ثلاث قمم جبلية في جبل المكمل من لبنان وهي القرنة السوداء أعلى قمة فيه وضهر القضيب وكعكقرا، فإن أنت نظرت منها إلى الضياع المجاورة أي إلى أعلى المواقع المسكونة بتلك الجبال الشامخة لأضطررت أن تنحني وتنظر ألى تحت حيث تقع عيناك على أجمل مشهد في العالم وأقدم المواقع التي تغنى بها الشعراء وتحدث عنها الأنبياء الأقدمون ومجدّها التاريخ.

وهكذا تكون بقاعكفرا أعلى بلدة لا في لبنان فحسب بل في الشرق الأسط كلّه تطل من عليائها على مقدسات الطبيعة والتاريخ: غابة الأرز، بشري مدينة جبران خليل جبران والبطريرك عريضة، والوادي المقدس، بقرقاشا وحدشيت وبزعون وحصرون، المقر البطريركي في الديمان وحدث الجبة واهدن... فسيمت هذه المنطقة التي تطل عليها بقاعكفرا وهي جزء منها "جبل الأولياء" و"طور العابدين" وسكانه ب"بني الأحرار" لشغفهم بالحرية.

وقال أحد الكتاب المتديينين: وجدت في هذا الجبل أن العائلة في هذا الجبل تعيش على النحو التالي: الوالد كرئيس الدير والأم الرئيسة العامة والأولاد رهباناً وراهبات والبيت كنيسة صغيرة، وقد تبنى المجمع الفاتيكاني هذا النمط ليدعوا العائلات بالعيش على هذا النحو.

وبطل هؤلاء القديسين ابناء هذا الجبل القديس شربل مخلوف ابن بقاعكفرا الذي ملأ الدنيا بأربعة أقطارها عجائب ومعجزات.

كيف تصل إلى بقاعكفرا

من بيروت، اسلك الطريق الساحلي التي تمر بالمدن: جونيه، جبيل، البترون، شكا. ثم تتوجه صعوداً على الطريق الجبلية مروراً ب: كفرحزير، أميون، كوسبا، طورزا، عبدين، بلا، قنات، بيت منذر، حدث الجبة، بريسات، الديمان، حصرون، بزعون، بقرقاشا فبقاعكفرا.

معنى كلمة بقاعكفرا

كلمة بقاعكفرا كلمة سريانية الأصل مركبة من لفظتين "بقاع" و"كفرا". بقاع تعني الأرض الخصبة، الصالحة للزراعة، وقد منحها الله أن تتميز بالخصب أيضاً على مستوى القداسة بالثمرة المباركة : شربل مخلوف. وكلمة كفرا تعني البلدة أي ان بقاعكفرا كانت في زمن معيّن أرض زراعية مرتبطة ببلدةٍ أخرى وترجح أنها بشري. وذلك لعدّة اسباب

أول ساكنيها حبيب سكن بشري ثم انتقل إلى هذه الأرض ليزرعها ويؤمن لقمة عيشه

يتبين من القدامى أن طريق البلدة كان من ناحية بشري وقد تحوّل مع بدء شق الطرق للآليات لسهولة الوصول من جهة بقرقاشا

منطقة بقاعكفرا العقارية لا تصل إلى مدخلها إذ العقارات يميناً لبقرقاشا، ويساراً لبشري

والنتيجة المنطقية والغير مؤرخة هي التالية: كان حبيب الملقب بمخلوف يزرع الأرض المطلق عليها بقاعكفرا ثم أتت حملت المماليك فنكّلت وكان هو بالأرجح لديه أولاد فقرر أن يستقر في الأرض التي يملك ويستقل عن المكان الذي كان يسكنه

ارتفاعها عن سطح البحر

تعلو البلدة عن سطح البحر حوالي 1700 متراً وذلك يجعلها كما ذكرنا آنفاً أعلى بلدة مأهولة في لبنان والشرق الأوسط

أصل وعدد سكانها

يعود أصل أبناء البلدة وبحسب كتاب تاريخ العناحلة إلى الجد حبيب أخ كيروز الملقّب بمخلوف الذي أنجب ثلاثة أولاد ذكور (لم يذكر إذا كان لديه إناث) اسماؤهم: البكر مخلوف والثاني نكد والثالث الياس الملقب بخيسي. وهم أصل العائلات الكبرى في البلدة ثم انتقل إليها أولا شخص أو عائلة من آل طراد ثم أخرى من آل البطحاني الذين كونا عائلتين لا تقلان أهمية وحضور عن العائلات الأساسية

بالنسبة للعدد لا نجد القدرة على إحصاء السكان لأسبابٍ أهمها الهجرات المتتالية من لبنان إلى الأرجنتين ثم المكسيك ثم استراليا وأخيرا إلى كل البلدان العربية والغربية، يليها عدم تسجيل أسماء المغتربين في السفارات اللبنانية إهمالا منهم ورغبةً في الدوائر في وزارة الخارجية لعقودٍ طويلة حتى يومنا. فتصور أنك تلتقي بشخص والد جده من بقاعكفرا يأتي صدفةً ليكتشف أصله ويعود ليهتم بإنتمائه لهذه الأرض لبرهةٍ ثم تخنقه الإهتمامات فيعود إلى وطنه الجديد غير آبهٍ

يقدر العدد الهائل بالثلاثين ألف. المقيمون والمسجلون لا يتخطون العشرة آلاف
ولوائح الشطب تصل إلى الأربعة آلاف. لها بلدية تنتخب من خمسة عشر عضوا تضم كل عائلاتها، ولها مختارين. فهي تعتبر، من ناحية عدد السكان، ثالث بلدةٍ على مستوى القضاء

عدد سكانها يساعدنا لنقول أن تاريخ البلدة لا يمكن أن يقل عن 800 سنةٍ ويمكن أن يصل إلأآ القرن الحادي عشر

الواقع الحالي للبلدة

من الناحية العمرانية تمتاز البلدة بطابعٍ تراثيٍّ مميز لكثرة الممرات والبيوت التراثية المميزة بطابع السقوف الخشبية المسقوفة تراب، دون القرميد الذي دخل مع الهجرة الثانية إلى لبنان وأصبح من النمط الشرقي، حيطانٌ حجرية من الخارج محوّارة وتبن من الداخل متجد عدة أمثلة على هذا النوع من البناء أهمها بيت القديس شربل. أما من الناحية السياحية فقد اختيرت البلدة من مع اثنين من البلدات في محيط البحر الأبيض المتوسط لتكون بلدةً نموزجيةً وتم الدراسات اللازمة لدراسة البلدة والتخطيط للمشاريع السياحية لكن هذه الدراسة بقيت بالقسم الكبير منها دون تنفيذ لأسباب ماديةٍ وسياسيةٍ وغيرها<

من الناحية السياحية أيضاً تمتاز البلدة بالعدد الكبير من السائحين المحليين والأجانب، الذي قد يتخطى كل المرافق السياحية في الجبة والسبب واضح: الزيارات الدائمة لبيت القديس ولبلدته التي عاش فيها حوالي 23 سنةٍ من طفولته وشبابه. ولهذا السبب تجد الكثير من الأماكن التي يمكن أن تزورها منها

بيت القديس شربل

والذي تملكه اليوم الرهبانية اللبنانية المارونية وتؤمن القداسات ولإعترافات والخدمات لكل الزائرين والذي يزيد عددهم يوماً بعد يوماً ومع وفرة العجائب التي يجترحها قديسنا البار. اشترته من الأهالي سنة 1951 ووسعة أملاكه ليبح ديراً كبيراٍ يضم ذخائر القديس شربل، سيرة حياته مرسومة، وعائلته منحوتةٍ على يد الفنان نياف علوان، إلخ

كنيسة السيدة القديمة

التي تعود لعمر البلدة، تحوي جرن العماد الذي تعمّد فيه القديس شربل وهو كناية عن جرن يعود للقرن العاشر يوضغ فيه ذخائر القديسين ويوزع منه الزيت للتبريك، ولفقر الحال وبعد خسارة الزخائر بعد الحملات الصليبية، حوله أهل الرعية لجرن عماد. لا يخلو يوم ويعمّد فيه أولاد الزائرين طلباً لشفاعة القديس، كما تحوي أيقونة منسوخة عن أيقونة سيدة إيليج سنة 1839 كما تحوي الكثير من الكتب الليتورجية القيمة والمعروضة للزوار

كنيسة السيدة الرعائية

والتي تمتاز بهندسة معمارية لاتينية، لا أعمدة فيها صرحٌ واحد، قرميدها موضوع على جسور الأرز التي يصل بعضها لطول 15 متراً نقلت من غابة أرز البلد في حدث الجبة على الأكتاف، وبني البناء بعونة كل أبناء البلدة وأنجز العمل في ستة 1925. تحوي ذخائر القديس شربل وشخصين من خشب للمسيح المصلوب ولوالدته مريم العذراء، إلخ

كنيسة مار سابا

التي بنيت بعهد وكالة شقيق القديس شربل على الوقف وهي عقد مصلب جميل، رممها أبناء البلدة لتوضع في خدمة المصليين والزوار

مغارة القديس شربل

والتي كانت أرض يملكها أهل القديس شربل وكان يتردد عليها كل يوم ليصلي في مغارةٍ صغيرة وليسكر بالله منذ طفولته. شيَّد فيها أبناء البلد مبناً ملاصقاً للمغارة ما لبث أن اشترته الراهبات اللبنانيات المارونيات وهي تقدم فيه الصلوات والخدمة الروحية للزوار. يحوي هذا الدير على الماه العجائبية التي ظهرت يوم بوشر بالبناء وهي اليوم محط أنظار الزوار، يأخذونها إلى بيوتهم ويطلبون من القديس شربل منحهم الطلبت أهما الشفاءات من الأمراض

دير مار حوشب

هذا الدير يعود إلى القرن الحادي عشر وربما أكثر. شيد على اسم القديس حوشب (اوسابيوس السمساطي) والذي عاش في القرن الرابع وقد امتاز بمواجهة الأريوسية (بدعة أريس ضد الطبيعة الإنسانية للمسيح) وقد نفي من بلده ليجول بلاد سوريا وكنعان ليرسم كهنةً وأساقفة حافظي الإيمان وربما زار هذا الجبل لأنه لا يوجد في لبنان دير على اسم هذا القديس. استشهد برمي قرميدة على رأسه من امراةٍ اريوسية. يمتاز هذا الدير بالهندسة المعمارية القديمة والي ذكره العلامة البطريك الدويهي إذ قال: سنة 1496 رممت دير مار حوشب في بقاعكفرا بعد خراب حنيته زوجة مقدّم بشري، جمال الدين يوسف،كما تم استصلاح الموقع ليصبح مكاناً للصلاة والتأمل والقراءة الروحية والإحتفالات في كنيسة بالهواء الطلق، كما بوجود شباناً نساكاً يضعون نفوسهم في خدمة الزائر. وهو يختم مراحل درب الصليب التي وزعة على الشارع المؤدي له

الإمتيازات الأخرى للبلدة

تمتاز البلدة بالمياه الغزيرة والنقية ، فطوّرها أهل البلدة لتصبح للشرب والريّ وأضافوا لها البرك الزراعية الضخمة لتأمين الكمية الكافية من المياه وكان آخرها تدشين البركة في منطقة الفطيسية العقارية في السنة الماضية ضمن سلسلة مشاريع ري بسعيٍ من نائبي المنطقة ستريدا جعجع وأيلي كيروز، وبإشراف رئيس اتحاد بلديات منطقة بشري ايلي مخلوف

من يملك مياهاً وافرة وهمةً كافية يمتاز بالزراعات التي يطلبها كل الزوار وأهل المنطقة: لقد تحوّلت البلدة إلى السوق الأهم للخضار والفاكهة وتتطور عمليات الصناعة الزراعية لتصبح المكان الأول لشراء المونة البلدية

تمتاز البلدة بالمروؤة والبطولة ليس على مستوى القداسة وحسب بل على الوطنية أيضاً إذ قديمت من الشهداء والمقاومين الكثير الكثير ولن تبخل في أي لحظة عن اكمال المسيرة حتى التحرير والعيش بكرامة

الأعياد والإحتفالات في الرعية

عيد القديس شربل في الأحد الثالث من شهر تموز وهو الأحد الأقرب لذكرى سيامته الكهنوتية في 23 تموز سنة 1859، وقد أقرته الكنيسة سنة 1965 في ذكرى تطويبه. تطور العيد في البلدة من عيد محلي إلى عيد يجذب الزوار على الصعيد الروحي والفني، واليوم تجرأت البلدة بخلق جو جديد وذلك بالتعاون بين الرعية والأديار والبلدية ليتحول إلى عيد روحي بإمتياز مليء بالوعظ والزياحات والرسيتالات

عيد مولد القديس شربل في 8 أيار: يعود الفضل بهذا العيد للسيدة مارغو التيان وزوجها القنصل جوزاف التيان الذين كرسا خبرتهما ومالهما وعلاقاتهما لتحويل هذا اليوم لعيد ليس بلبنان وحسب بل بكل اقطار العالم. ولتعاون الخوري يوسف مخلوف الذي رسخ هذا العيد حتى أصبحت بقاعكفرا في هذا التاريخ تعج بالزوار من كل حدبٍ وصوب

عيد انتقال السيدة العذراء: الذي يأخد طابعاً فولكلورياً وتراثياً ونشاطات متعددة

اسبوع الآلام : يجذب هذا الأسبوع الكثير من ابناء البلدة ومن كل المناطق

الأعياد الأخرى : عيد مار سابا في الأحد الثالث من شهر أيلول، وعيد القديس حوشب في 5 تشرين الأول

الخاتمة

بعد سرد الكثير عن البلدة، نعي أهمية هذه البلدة التي استمدتها من ابنها البار القديس شربل الذي غزى العالم بعجائبه. ونترجى دائماً ان نبقى على مستوى الصورة الجميلة لهذا القديس. أهداف القرية، رعيةً وبلديةً وأبناء كما الأديار، أن نحوّل هذه البلدة إلى واحةٍ روحيةٍ توصل روحانية القديس من خلال البشر والحجر ونشاطات ومشاريع. الأحلام كثيرة لكننا واثقون من نعم قديسنا ومحبة أبناء البلدة المعروفة لدى الجميع وغيرتهم التى تتجلى وفاق وتعاون ونشاطات لفتت أنظار الكل لتبقى مدرسة يتعلم منها اللآخرون. شكراٍ لقديسنا العظيم شربل لإجتراحه الأعجوبة الكبرى .

بقاعكفرا أرضاً مقدسة من القرن العشرين

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.