فادي شربل داود
١٥ أيلول ٢٠٢٠

إنها الساعة ١١،٣٠ ظهراً ، أجراس كنيسة السيدة تقرع فرحاً وبشكل متواصل ...ماذا يجري في بقاعكفرا ؟؟
طلّت " لطيفة" من شباك منزلها ، ونادت جارتها "بريجيت" ( والدة القديس شربل ) التي كانت واقفة على " السطيحة " أمام منزلها ، قائلة لها : شو في يا بريجيت ؟ ليش الجراس عم بتدق ؟ اليوم السبت مش الأحد.
بريجيت ، التي كانت تحمل بين ذراعيها ابنها طنوس ( عمره سنة )، إبنها من زواجها الثاني ، قالت لجارتها : شو بيكي يا لطيفة ، اليوم ١٥ آب، عيد السيدة ، شو نسيتي ؟ يلا حضري حالك عل قداس الساعة ١٢.٠٠. فقالت لها لطيفة : إي معك حق ، راح عن بالي ، بس ليش عم بتدق الجراس هل قد بقوة ، صرلا ساعة عفرت سحبة.
فقالت لها بريجيت : اليوم غير انو عيد السيدة ، بونا مبارك مخلوف بدّو يكرّس صورة جديدة للعذراء ، ويمكن يجي سيّدنا المطران موسى. فقالت لها لطيفة : يلا يلا لحضّر حالي وانزل عل كنيسة لكان.
وكانت بريجيت قد جهزت إبنها طنوس، ثم نادت ابنها يوسف ( مار شربل ) ٧ سنوات ، من داخل البيت الذي كان يصلّي الوردية سجوداً مع شقيقته وردة ، وكان رغم صغر سنّه هو وشقيقته يشاركان والدتهم " قطاعة السيدة " منذ ١٥ يوم ، لا يأكلان زفر ولا لحم ويصومان للظهر .
دخلت بريجيت إلى كنيسة السيدة مع أولادها الأربعة ( يوسف ، وردة ، كون ، و طنوس ) ، حنا و بشارة كانا في الحقل يعملان لإعالة العائلة بعد أن فقدوا والدهم منذ أربع سنوات... الكنيسة تغصّ بالمؤمنين، أنه عيد شفيعة بقاعكفرا ، لم تجد بريجيت مكان لها ولأولادها الا في آخر الكنيسة قرب جرن العماد ، أما لطيفة " فدحشت" حالها على مقعد قرب إحداهن على مقربة من المذبح.
دخل الخوري مبارك مخلوف إلى الكنيسة بموكب مهيب ، يرافقه حاملي الشموع والأيقونة الجديدة ، لم تكن بعد قد تأسست أخوية بقاعكفرا ( أسسها الخوري مبارك بعد عشرون عاماً أي سنة ١٨٥٥ ) ، ثم تبيّن أن المطران نقولا موسى إعتذر عن الحضور وذلك بسبب صعوبة المواصلات في تلك الأيام ( من ١٨٥ سنة ) حيث كان مقرّ الأبرشية المارونية في طرابلس. أقام الخوري مبارك مخلوف قداس مهيب في ذلك اليوم ، جرى خلاله تكريس أيقونة العذراء الجديدة ، وعلّقت الأيقونة فوق المذبح وتم تكريسها شفيعة بلدة بقاعكفرا.
انتهى القداس الاحتفالي حوالي الساعة الواحدة والنصف ، خرج أبناء البلدة إلى ساحة الكنيسة من أجل المعايدة ولتناول ضيافة العيد من جوز و زبيب وتين وقمح مسلوق.... بَقِي في الكنيسة شخص واحد ، ولد عمره ٧ سنوات ، أنه يوسف زعرور مخلوف ( مار شربل ) ، ركع على المذبح أمام أيقونة العذراء الجديدة ، وراح يتأمل بجمال العذراء في هذه الأيقونة و بعينيها الواسعتين لدرجة تشعر أنها تنظر إليك من كل زاوية في الكنيسة.
وبقي يوسف منتصباً حوالي الساعة أمام الأيقونة الجديدة راكعاً يصلّي ويتأمل ، وهو من اعتاد على صلاة الوردية منذ نعومة أظافره ، ووعد العذراء أن يزورها يومياً ويصلي أمامها ، وحقاً ظل يوسف يصلي ويركع أمام أيقونة السيدة بقاعكفرا مدة ١٦ سنة حتى عام ١٨٥١ ،
حيث غادر يوسف زعرور مخلوف قريته متوجّهاً إلى الدير ولم يعد أبداً الى بقاعكفرا !!