الأب ميلاد مخلوف
ماهيتها وتاريخها
التسمية العلمية هي: لوحة زيتية على الخشب. أبعاد كبيرة للأيقونة (95 × 75 سم) ، تم رسمها على الواح من خشب الأرز. على ثلاث ألواح خشبية بشكل حشوة مجموعة ببرواز خشبي من 5 سنتم مع عوارض من الخلف لتثبيت الألواح الخشبية. لم تظهر أي إشارة للرسام الذي يبقى مجولاً لكن ومن خلال تفاصيل اللوحة يتبيّن انه ليس محترفاً بل هاوياً. الألوان المعتمدة هي طبيعية وزيتية: لوحة زيتية على خشب.
يظهر في أسفل اللوحة تاريخ مدوّن: 12 تشرين الثاني 1835 مع كلمات تشوهت عن قصد يرجح أنها، كما ورد في كتاب الأب بطرس ضو (المجلد الثامن) عن موجودات كنيسة السيدة في بقاعكفرا، الجملة التالية: رسمت بسعي الخوري مبارك مخلوف
لتأكيد التاريخ، يقول السيد فضول خلوف- الذي رمم اللوحة- أن تاريخ اللوحة صحيح وذلك لأن الرسام وضع الأساس باللون الأبيض الذي اعتاد الرسامون استعماله بداية القرن التاسع عشر ( قبل ذلك كان الأساس باللون الأحمر)
وضعت في بادئ الأمر في حنية كنيسة السيدة القديمة، لتنقل بعدها إلى الكنيسة الجديدة في الحنيّة الكبيرة. وبعد أن تم رسم لوحة سيدة الإنتقال الكبيرة ورفعها في الحنية الكبيرة وضعت أيقونة سيدة بقاعكفرا فوق باب (الرجال) جهة الجنوب من الداخل.
بعد ترميم الكنيسة القديمة في المرة الولى أعيدت الى فوق الحنية المستحدثة خلف المذبح. لترفع هذه السنة في الحنية الأساسية للكنيسة (التي كانت مردومة وتم كشفها) بعد أن تمَّ ترميمها منذ أربعة سنوات.
الأسلوب المعتمد
الأسلوب الماروني المتأثر بالأسلوب الروماني للأيقونة، يصوّر العذراء وهي تحمل الطفل يسوع، الذي يحمل بيده اليسرى كتاباً مزيناً، ومع عينيه الملتفتتين إلينا - وليس إلى والدته - يؤدي بيده اليمنى بادرة البركة والإشارة الواضحة نحو رقبة والدته. مريم والطفل يسوع ينظران إلى المشاهد. نرى علاقة وثيقة مع أيقونة " Salus populi romani "
ويقال إن أيقونة خلاص الشعب الروماني أعادتها من القدس إلى القسطنطينية القديسة هيلانة، والدة قسطنطين، في القرن الرابع. منسوبة إلى القديس لوقا الإنجيلي.
منذ تكريمها الأول في روما، ارتبطت الأيقونة الإكرام لأمنا مريم من قبل العديد من المؤمنين والحجاج والباباوات والقديسين. اعتبرت عجائبية، أصبحت محط تبجيل المؤمنين في جميع أنحاء المدينة من قبل البابا غريغوريوس الأول في 593 في وقت من انتشار الأوبئة الناجمة عن الطاعون من جوستينيان. في عام 1571، طلب البابا بيوس الخامس شفاعة في معركة ليبانت. في عام 1837 صلى البابا غريغوري السادس عشر لكي يتوقف وباء الكوليرا. وأوجينيو باتشيلي الذي ولد في روما - في المستقبل بيوس الثاني عشر- احتفل بقداسه الأول أمام الأيقونة. في عام 1953، تم نقلها عبر المدينة للاحتفال ببداية السنة المريمية الأولى في تاريخ الكنيسة.
في العام التالي، توج بيوس الثاني عشر الأيقونة من خلال تقديم مناسبة مريمية جديدة. ومنذ ذلك الحين، كرّم بولس السادس، ويوحنا بولس الثاني، وبنديكتوس السادس عشر، وفرانسيس الأيقونة بالزيارات والاحتفالات. على مر القرون، وقد كرمها التكريم الكبير القديسين مثل القديس تشارلز بوروميو أيضا في التفاني. بعد ترميمه من قبل متاحف الفاتيكان، تم إعادة رفع الأيقونة في البازيليك بقداس ترأسه البابا فرانسيس في 28 يناير 2018. مع نزول جائحة "كوفيد-19" إلى العالم يوم الأحد 15 مارس 2020، ذهب الأب الأقدس في حج للصلاة أمام هذه الأيقونة، وفي 27 مارس أحضرها وصلب القديس مرقس في روما، حيث ترأس وقت الصلاة من أجل وقف الوباء وأعطى البركة أوربي وأوربي بطريقة استثنائية للغاية.
واذا تأملنا بتفاصيل ايقونة سيدة بقاعكفرا ومقارنتها نجد بعض الإختلافات التي تميز هذه الأيقونة عن أيقونة "Salus populi romani " أهما نظرات الطفل يسوع وحركة يدي مريم العذراء ووجود أربعة ملائكة على الزوايا الأربعة لأيقونة بقاعكفرا. نجد بعد التفاصيل الغائبة في ايقونة "خلاص الشعب الروماني موجودة في أيقونة سيدة ايليج وأهمها نظرات الطفل يسوع وأمه مريم الموجّهة نحو المشاهد.
مميزات اللوحة
أما ما يمِّز أيقونة سيدة بقاعكفرا فسنعرضه بالنقاط التالية:
تختصر البركة فقط بالطفل يسوع والذي يرفع يده اليمنى ليعلن حقيقة طبيعته الإلهية الكاملة وطبيعته الإنسانية الكاملة ومشيراً إلى عنق والدته داعياً المؤمن الواقف امام الأيقونة الى اكرام والدته والإصغاء إلى ما تقوله وإعلانها " أم الكنيسة".
رسم الكتاب المقدس بطريقة مزخرفة لإظهار اهمية الكلمة في حياة المؤمن.
جلوس الطفل يسوع بطريقة متواضعة اكثر منه على عرش لإظهار اتضاع يسوع وحقيقة التجسد الواقعية.
تظهر الهالة التي خلف الطفل يسوع بحجمها الواضح مقارنةً بتلك التي خلف رأس والدة الإله لإظهار الوهية يسوع وتمايزها عن طبيعة أمنا مريم المفتداة وأيقونة الكنيسة. هذه الحقيقة واضحة أيضاً بحركة رأسه البعيد عن رأس والدته.
الوجوه الظاهرة بالأيقونة قريبة إلى الفن الواقعي لحقبة النهضة. تميَّزت الأوجه بقربها من أوجه أبناء البلدة من ناحية الشكل الدائري ونضارة النساء العاملات في الأرض، تشبه خصوبة الأرض. وكأن الرسام قد استعان بإحدى نساء البلدة مع ابنها ليتمكن من رسم اللوحة كما هي. هذه وسيلة ناجحة تجعل المؤمن يتواصل مع شخص مألوف، ويقتنع بقرب أمنا مريم منه.
وجود أربعة ملائكة من الزوايا الاربعة تظهر أهمية مريم واكرامها ليس على المستوى البشري فقط بل على الملائكة ايضاً. بهذا اعلان واضح باللونين الذين في خلفية الأيقونة الأزرق والبني. بتتويجها سلطانة على السماء والأرض.
لون رداء العذراء مريم ( الأخضر الزيتي) يمكن ربطه بحقيقة حواء الجديدة أم الحياة وعلامة الروح القدس التي تملئ طبيعتها الإنسانية المرموز لها باللون الترابي الداكن. المعبر عنه بوضوع بسلام الملاك جبرائيل "السلام عليك يا ممتلئة نعمةً " .
أما الحقيقة المشتركة في جميع الأيقونات فهي ديمومة البتولية لوالدة الإله المرموز لها بالنجوم الثلاث على رأس مريم وعلى كتف اليمين والمستترة خلف الطفل يسوع على كتف الشمال : مكثت بتولاً قبل الميلاد وفيه وبعده.
وحركة اليدين لمريم العذراء التي تغمر الطفل يسوع تظهر، ككل الايقونات التي تشبهها، الأم الرحومة والشفوقة وهي ترجمة فنية للصلاة القديمة التي ما زلنا نتلوها : " السلام عليك أيّتها الملكة أمّ الرحمة والرأفة، السلام عليك يا حياتنا ولذّتنا ورجانا. إليكِ نصرخ نحن المنفيّين أولاد حواء، ونتنهّد نحوك نائحين وباكين في هذا الوادي وادي الدموع، فأصغي إلينا يا شفيعتنا، وانعطفي بنظرك الرؤوف نحونا، وأرينا بعد هذا المنفى يسوع ثمرة بطنك المباركة، يا شفوقة، يا رؤوفة، يا مريم البتول الحلوة اللذيذة".
في الختام، يرجح طلب كتابة هذه الأيقونة في بداية القرن الثامن عشر وبنسخة قريبة لأيقونة مريم " خلاص الشعب الروماني" طلباً لشفاعة أمنا مريم لتحمي أبناء البلدة وخارج البلدة ( Urbi et Orbi ) من الأوبئة كما حمت الكنيسة على مر التاريخ. وما نزال في يومنا هذا نتضرع لمريم والدة الإله أن تحفظنا من وباء الكورونا والإضطهاد وتوَجِّهنا لإبنها يسوع .